فصل: وفاة الناصر وخلافة الظاهر ابنه.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ولاية حافد الناصر على خوزستان.

كان للناصر ولد صغير اسمه علي وكنيته أبو الحسن قد رشحه لولاية العهد وعزل عنها ابنه الأكبر وكان هذا أحب ولده إليه فمات في ذي القعدة سنة عشر فتفجع له وحزن عليه حزنا لم يسمع بمثله وشمل الأسف عليه الخاص والعام وكان ترك ولدين لقبهما المؤيد والموفق فبعثهما الناصر إلى تستر من خوزستان بالعساكر في المحرم سنة ثلاث عشرة وبعث معهما مؤيد الدين نائب الوزارة وعزل مؤيد الدين الشرابي فأقاما بها أياما ثم أعاد الموفق مع الوزير والشرابي إلى بغداد في شهر ربيع وأقام المؤيد بتستر.

.استيلاء خوارزم شاه على بلاد الجبل وطلب الخطبة له ببغداد.

كان أغلمش قد استولى على بلاد الجبل كما ذكرناه واستفحل أمره وقوي ملكه فيها ثم قتله الباطنية سنة أربع عشرة وستمائة وكان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه وارث ملك السلجوقية قد استولى على خراسان وما وراء النهر فطمع في إضافة هذه البلاد إليه فسار في عساكره واعترضه صاحب بلاد فارس أتابك سعد بن دكلا على أصبهان وقد ساقه من الطمع في البلاد مثل الذي ساقه فقاتله وهزمه خوارزم وأخذه أسيرا ثم سار إلى ساوة فملكها ثم قزوين وزنجان وأبهر ثم همذان ثم أصبهان وقم وقاشان وخطب له صاحب أذربيجان وأرانية وكان يبعث في الخطبة إلى بغداد ولايجاب فاعتزم الآن على المسير إليها وقدم أميرا في خمسة عشر ألف فارس وأقطعه حلوان فنزلها ثم أتبعه بأمير آخر فلما سار عن همذان سقط عليهم الثلج وكادوا يهلكون وتخطف بقيتهم بنو برجم من التركمان وبنو عكا من الأكراد واعتزم خوارزم شاه على الرجوع إلى خراسان وولى على همذان طابسين وجعل إمارة البلاد كلها لابنه ركن الدين وأنزل معه عماد الملك المساوي متوليا أمور دولته وعاد إلى خراسان سنة خمس عشرة وأزال الخطبة للناصر من جميع أعماله.

.إجلاء بني معروف عن البطائح.

كان بنو معروف هؤلاء من ربيعة ومقدمهم معلى وكانت رحالهم غربي الفرات قرب البطائح فكثر عيثهم وإفسادهم السابلة وارتفعت شكوى أهل البلاد إلى الديوان منهم فرسم للشريف سعد متولي واسط وأعمالها أن يسير إلى قتالهم وإجلائهم فجمع العساكر من تكريت وهيت والحديثة والأنبار والحلة والكوفة وواسط والبصرة فهزمهم واستباحهم وتقسموا بين القتل والأسر والغرق وحملت الرؤوس إلى بغداد في ذي القعدة سنة عشر.

.ظهور التتر.

ظهرت هذه الأمة من أجناس الترك سنة ست عشرة وستمائة وكانت جبال طمغاج من أرض الصين بينها وبين بلاد تركستان ما يزيد على ستة أشهر وكان ملكهم يسمى جنكزخان من قبيلة يعرفون نوحى فسار إلى بلاد تركستان وما وراء النهر وملكها من أيدي الخطا ثم حارب خوارزم شاه إلى أن غلبه على ما في يده من خراسان وبلاد الجبل ثم تخطى أرانيه فملكها ثم ساروا إلى بلاد شروان وبلد اللان واللكز فاستولوا على الأمم المختلفة بتلك الأصقاع ثم ملكوا بلاد قفجاق وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان فملكوا ذلك كله في سنة أو نحوها وفعلوا من العيث والقتل والنهب ما لم يسمع بمثله في غابر الأزمان وهزموا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش فلحق بجزيرة في بحر طبرستان فامتنع بها إلى أن مات سنة سبع عشر وستمائة لإحدى إحدى وعشرين سنة من ملكه ثم هزموا ابنه جلال الدين بغزنة واتبعه جنكزخان إلى نهر السند فعبر إلى بلاد الهند وخلص منهم وأقام هنالك مدة ثم رجع سنة اثنتين وعشرين إلى خوزستان والعراق ثم ملك أذربيجان وأرمينية إلى أن قتله المظفر حسبما نذكر ذلك كله مقسما بين دولتهم ودولة بني خوارزم شاه أو مكررا فيهما فهناك تفصيل هذا المحل من أخبارهم والله الموفق بمنه وكرمه.

.وفاة الناصر وخلافة الظاهر ابنه.

ثم توفي أبو العباس أحمد الناصر بن المستضيء في آخر شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين سنة وستمائة لسبع وأربعين سنة من خلافته بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره وذهبت إحدى عينيه وضعف بصر الأخرى وكانت حاله مختلفة في الجد واللعب وكان متفننا في العلوم وله تآليف في فنون منها متعددة ويقال إنه الذي أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينه وبين خوارزم شاه من الفتنة وكان مع ذلك كثيرا ما يشتغل برمي البندق واللعب بالحمام المناسيب ويلبس سراويل الفتوة شأن العيارين من أهل بغداد وكان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه إياها وكان ذلك كله دليلا على هرم الدولة وذهاب الملك عن أهلها بذهاب ملاكها منهم ولما توفي بويع ابنه أبو نصر محمد ولقب الظاهر وكان ولي عهده عهد له أولا سنة خمس وثمانين وخمسمائة ثم خلعه من العهد وعهد لأخيه الصغير علي إليه وتوفي سنة اثنتي عشرة فاضطر إلى إعادة هذا فلما بويع بعد أبيه أظهر من العدل والإحسان ما حمد منه ويقال إنه فرق في العلماء ليلة الفطر التي بويع فيها مائة ألف دينار.